أعِـزائي القرّاء ..
أحببْتُ في هذا الموضوع أن نجمَع سِلسِلَةً مِن كيفيّة الإنفِلات مِن
المواقِفِ المُحرِجة في تُراثِنا وأدبنا العربي ؛ اللذان يزخَران بالقصص .
فأهـلاً وسـهلاً بالجمـيع ،،
أكل ببـلاش !!
مَرّ أحدُ الطفيليّين بعُرسٍ ؛ فأرادَ الدخول ، فلم يَقدِر ، فذهب إلى بقالٍ
ووضَعَ خاتمَه عنده على عَشرة أقداحِ عسل ، وجاء إلى بابِ العُرس
فقال : يا بوّاب افتح لي ، فقال لهُ البواب : مَن أنت ؟ قال : أراكَ لستُ
تعرفني ، أنا الذي بَعَثوني أشتري لهُم أقداح العسل ، ففتحَ لهُ البوابُ ؛
ودخل ، فأكلَِ وشرِبَ معَ القوم . فلمّا فرغ أخذ الأقداح وقال : يا بوّاب
افتح لي حتى أرد هذه ، إنهم يريدون عسَلاً خالِصاً ، فخرج فردّها على
البقال وأخذ خاتمه !!
أدركني قبل الفجر :
رُويَ أنّ أبا حنيفة رحِمهُ الله أتاهُ رجُلٌ بالليل فقال :
أدركني قبل الفجر وإلاّ طلّقتُ امرَأتي !
قال : وما ذاك؟ قال : ترَكَت الليلة كلامَها ، فقلت لها :
( إنْ طلَعَ الفجرُ ولم تكلّميني فأنتِ طالِقٌ ثلاثاً ) ! وقد توسّلتُ إليها
بكل أمرٍ أن تكلّمني فلم تفعل ، فقال ابو حنيفة : اذهب فمُر مؤذن
المسجد أن ينزل فيؤذن قبلَ الفجر فلعلّها إذا سمِعَت أن تكلمك ، واذهب
اليها وناشِدها قبل أن يؤذن المؤذن ، ففعَل الرجُلُ وجلسَ يُناشدها وأذن
المؤذن فقالت : طلع الفجر وقد تخلصت منك ، قال: كلّمتِني قبلَ الفجرِ ،
وتخلّصتُ مِنَ اليمين !!!
أدهى مِن ثعلـب !
سُئل الشعبيُّ عن قولهم : إنّ القاضي شريح أدهى من الثعلب ،
فقال : خرَجَ شريحٌ أيّامَ الطاعون إلى النجف ، وكانَ إذا قامَ يُصلّي
يجيءُ ثعلبٌ فيقِفُ بجانبهِ ويُقلّد حرَكاته ؛ فيُشغِلهُ عن صلاتِه ،فلمّا
طالَ عليهِ ذلك ، نزعَ قميصَهُ فجعلَهُ على عَمودٍ وأخرَجَ كُمَّيْه وجعلَ
قلنسوته وعِمامتهُ عليه ، فأقبَلَ الثعلبُ فوقفَ على عادته ، فأتى
شريحٌ مِن خلفِهِ فأخذهُ بُغتة !!
فلذلك قيل : هو أدهى من الثعلب !
بين قيصر وكسرى مِن ( مروج الذهب ) للمسعودي :
يُذكَر أنّ قيصر أهدى إلى كِسرى1 عقاباً ، وكتب إليه يُعلِمُه أنها تعمل
أكثرَ مِن عمَلِ الصقر 2 الذي أعجبَهُ صيده ، فأمر بها كسرى ؛ فأرسِلَت
على ظبي عرض له فدقته 3 ، فأعجبه ما رأى منها ، فانصرفَ مسروراً .
فجوّعَها ليَصيدَ بها ، فوثبت على صبيٍّ له فقتلته ، فقال كسرى :
وترَنا 4 قيصر في أولادِنا بغيرِ جيش !
ثمّ إنّ كسرى أهدى إلى قيصر نِمراً ؛ وكتب إليه أنه يقتل الظباءَ وأمثالَها
مِنَ الوُحوش ، وكتبَ ما صنعَت العقاب ، فأعجب قيصر حسن النمر ،
وطابق صِفته بوصفِ الفهد ، وغفل عنه ، فافترس بعض فِتيانِه ، فقال :
صادَنا كِسرى ، فإن كنا قد صدناه فلا بأس !!
الشفيع إلى معن : 5
أرادَ أحَدُ الشعَراء الدخول على معن بن زائدة وهو في أحد البساتين ،
فحيلَ دونهُ وطالَ انتظارُه فلم يتهيأ له ما يريد . واتفق أنّ الماءَ كانَ
يدخلُ البستانَ في قناة تمر تحت سُورِه ، فكتبَ الرجُلُ هذا البيتُ مِنَ
الشِعرِ على خشبَةٍ ألقاها في الماءِ فحمَلَها إلى داخِلِ البُستان :
أيا جُود مَعْنٍ ناج مَعناً بحاجتي *** فما لي إلى معنٍ سواك شفيعُ
وصادفَ أنْ كانَ هوَ جالِساً ( أي مَعْن ) قربَ الماءِ ، فشاهَدَ
الخشبة وقرأ ما عليها فقال : من صاحب هذه ؟
فدعا الرجل ؛ فقالَ له : ماذا كتبْت ؟
فأنشده البيت ، فقال له :
بُورِكَ بكَ شفيعاً وأمَرَ لهُ بألفِ دِرهَمٍ فحمَلَها وانصرَف .
هـامــش :
----------
1 : نعرف أنّ : القيصر يُطلَق على كُل ملك رومي ، وكِسرى على كل ملك فارسي
2 : لغاية الآن نلاحظ لجوء بعض الأمم لجعل النسور أداة صيدهم
3 : أي أطبقَت عليه
4 : أي جعلَنا نتوتّر ونقلق
5 : هو معن بن زائدة بن عبد الله بن مطر الشيباني .
يُعَد مِن أشهَر أجوادِ العرَب ؛ وأحَد الشجعان الفصَحاء ، أدرك
العصرَين الأمَوي والعبّاسي ، ولاّهُ أبو جعفر المنصور اليمن ثمّ
سجستان ، قتل غيلة ( أي أغتيل ) سنة 151هـ .