قافلة سيد القراء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قافلة سيد القراء

أهلاً بك في منتـــــــــــــدى قافلة سيّد القرّاء .
 
الرئيسيةأخبارأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أنا و القلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس الذهبي

الفارس الذهبي


عدد المساهمات : 577
نقاط : 6500
تاريخ التسجيل : 23/10/2009

أنا و القلم Empty
مُساهمةموضوع: أنا و القلم   أنا و القلم Icon_minitime25.03.10 2:20

أنا والقلم*
أعترف أنها قد جفت قريحتي ,وكلّ ذهني,ومات خيالي,ومرّت عليّ أيام طوال لم أستطع أن أخط فيها حرفاً,وأصبحت وكأني لم أكن حليف القلم وصديق الصحف,وكأني لم أجْرٍ للبلاغة في مضمار,وما أدري أبرأني الله من حرفة الأدب الت يابتلاني بها وابتلاها بي,وهي سكتة عارضة,كاذي يعرض للشعراء والكتاب ,ثم تزول السكتة وينطلق اللسان,ويعود أحد مما كان ؟
إني كلما أخذت القلم لأكتب ,أحسست أنه يحرن ولاغ يملكني زمامه,وأنه يستعصي عليّ ويستعصم مني ,واجدني أميل إلى مطالعة كتاب ,أو النظر في صحيفة.فأقبل على القراءة,وأعوض على ذهني ما فاته منها في هذا الزمن الطويل.
وليثق القراء أن يوماً يومر عليّ لا أكتب فيه شيئا أو أعد في نفسي شيئا لأكتبه لهو يوم بؤس عليّ لا يوم نعيم,وأن أول ما أفكر فيه إذا سرني أمر أو ساءني,أو أعجبني أو راعني.كيف أصوره ,وأعرض على الناس صورته كي أنقل إليهم شعوري ,وأقاسمهم عواطفي لا أفعل ذلك للشهرةوالمجد الأدبي ,ولا للنفع ولا للضرر ,فقد بلغت من الشهرة ما يصح الوقوف عليه لو كانت الشهرة أكبر همي,ورغبت عنها لأني وجدت ما نلت منها لم ينلني خيراً قط ,ولكني أكتب -علم الله-لأدفع عن نفسي الملل وما يصيبها من الألم إذا أنا لم أكتب ,فكأنني أعمل بالغريزة التي تدفع النحل إلى اتخاذ العسل ,والعقارب إلى نفث السم ,وكل حيّ من الحيوان إلى ما سخر له من نفع أو ضرر.ولا أعلم أأحسن أم أسيء ؟
ومتى يكون الإحسان وكيف يجيء ؟ وكل ما أعلم أن فكرة تخطر على بالي تأتي بها نظرة أو سمعة,فتنمو فيها حتى تملأ ذهني وتسيطر عليّ,فلا أملك عن تدوينها تأخراً,فآخذ القلم فإذا هي تجر وراءها أخوات لها.
وإذا أنا أمضي في الكتابة لا أكف حتى يكون القلم هو الذي يقف,ثم أبعث بذلك إلى المجلة أو الجريدة,فإذا أبطأت بنشره أو أهملته سخطت وثرت,وإن نشرته فرحت به وقرأته مستمتعاً,فإذا مضى عليه يوم عدت إليه فرأيت عيوبه فقلت:ليتني نقصت من هنا,وزدت هناك, وحذفت هذا,أو أثبت ذاك,ثم لا يمنعني ذلك أن أعود إلى خلتي من الإسراع كرة أخرى.ولقد حاولت التنقيح والصناعة مرة فأفسدت من حيث ترهمت الإصلاح,فعدت إلى طبعي.فإذا كان في الناس من يعجبه ما أكتب فالحمدلله.
وما سكت لقلة في الموضوعات ,ولكن لجفاف في القريحة ,ولو كان بي ـن أكتب لوجدت في كل شيء موضوعاَ لفصل,غير أنه لابد من العاطفة والفن,ولو كان الأدب الوقعي أن تسرد كل ما (وقع) لك لكان الناس كلهم أدباء,ولكن الأدب الواقعي أن تأتي بالصورة الجميلة,قد ضقلها الطبع وبرقشها الخيال,وزانتها العبارة الصحيحة,والسبك الدقيق ,لكنك لا تخرج فيها عما يمكن أن يقع.
أما المشفقون عليّ ,الخائفون على أن تلوي الحادثات قناتي,وتهد ركني,فليعلموا أني في أمان,وان رسالة الأديب أن يطاعن عن الحق ويناضل حتى تعلو كلمته,ولينظروا أيهما أسير في الناس وأشهر,أورقة الشهادة الناطقة بفضل صاحبها ,أم مجلة يكتب فيها الأديب فيقرؤها مئة ألف؟
وأيها أقوى وأمتن ,أهذا القلم الدقيق أم أرجل الكراسي التي يثبت عليها أؤلئك ويعلون بها ؟
إن لكل أديب رسالة فليقونا الله على تأدية الرسالة
( من مقالات الأديب الإسلامي الكبير على الطنطاوي)نشرت عام 1940م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنا و القلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قافلة سيد القراء  :: الحصّة الثانية : " وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ " .-
انتقل الى: